إرث الحاضر للمستقبل :متقاعدون ألمان يرشدون طالبي اللجوء اليافعين
تعمل منظمة “سينو” التطوعية في مدينة كولونيا بألمانيا، على بناء جسور التواصل بين المتقاعدين الألمان وطالبي اللجوء اليافعين من خلال برنامج “عرّابون للاجئين اليافعين”، الذي يشمل رعاية فردية لطالبي اللجوء من خلال الاجتماع بهم أسبوعياً لمدة سنتين أو ثلاث سنوات.
مع تدفق أعداد كبيرة من طالبي اللجوء إلى ألمانيا في السنوات الأخيرة، اضطرت المنظمات التطوعية أن تتحمل الكثير من عبء مساعدة الوافدين الجدد على الاندماج. ومنظمة “سينو” هي واحدة من هذه المنظمات. تدير المنظمة مجموعة متنوعة من المشاريع المختلفة لمساعدة طالبي اللجوء، بما فيها مشروع “عرّابون للاجئين اليافعين”.
في هذا البرنامج، يتم إيصال المتقاعدين الألمان بطالبي اللجوء اليافعين لكي يرشدوهم لمدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات. يجتمع المرشد أو “العرّاب” بانتظام مع طالب اللجوء اليافع ويساعده في كل ما يحتاجه، كالمساعدة في تعلم اللغة أو إتمام الأوراق البيرقراطية.
دعم المرشدين
قبل أن يبدأ المتقاعد بمساعدة طالب اللجوء اليافع، يخضع لدورة تدريبية تساعده في ذلك. وحول ذلك تقول المتحدثة باسم المنظمة لاورا برامان لمهاجر نيوز: “المميز في عملنا هو أنه يتم إعداد كل متطوّع بأسلوب احترافيّ ليستطيع القيام بمهمّته، وذلك من خلال استشارات من قبل أخصائيين تربويين”، وتضيف: “إن الإعداد التربوي الاحترافي ودعم المتطوّعين له أهمية خاصة في مشروعنا”.
تقول المتقاعدة بيآتا بارتش، والتي انضمت للمشروع كمرشدة في عام 2016، إن الدعم الذي تقدّمه المنظّمة هو ما يجعل المشروع استثنائياً، وتضيف: “خضعت لدورة تدريبية مكّنتني من فهم كيفية مساعدة طالب لجوء يافع بشكل أفضل”، وتتابع: “عندما يصعب عليّ أيّ موضوع، هناك دائماً شخص ما في المنظمة يمكنه استشارته”.
متقاعد ألماني يساعد لاجئاً يافعاً | Credit: Ceno e.V
ودعم “العرابين” لا يقتصر على الدورة التدريبية، بل يمتد ليشمل اجتماعات منتظمة. تقول برامان: “يجتمع العرّابون مرة واحدة شهرياً لتبادل الخبرات، حيث يناقشون التطورات الفردية لدى طالبي اللجوء الذين يرشدونهم”، وتضيف: “في هذه الاجتماعات تقدم لهم إدارة المنظمة والأخصائيون التربويون بعض الاقتراحات، كما تخطّط معهم الخطوات المقبلة”. تقول بارتش إن هذه الاجتماعات جزء مهم من عملية رعاية طالبي اللجوء.
وقد انطلق مشروع “عرّابون للاجئين اليافعين” في عام 2015، ويوجد فيه حالياً 15 مرشداً. وتتلقى المنظمة العديد من الطلبات لرعاية طالبي اللجوء الشباب، وكي تستطيع أن تلبّي تلك الطلبات فإنها بحاجة إلى متقاعدين يرغبون في رعاية طالبي اللجوء، كما تقول المتحدثة باسم المنظمة.
يتم تمويل المشروع من قبل جمعية “Aktion Mensch”، وهي جمعية تدعم الاندماج والمساواة ، ويتمّ دعمها من خلال التبرعات الخاصة.
تقول برامان إنه لا يوجد أي شرط بالنسبة للاجئين أو الحاصلين على الحماية الفرعية ليتمّ قبولهم في البرنامج، وتضيف أن طالبي اللجوء المسجلين حالياً هم من سوريا والعراق وإريتريا، وتتراوح أعمارهم بين 16 و22 سنة.
قصة رعاية
قامت المتقاعدة الألمانية بيآتا بإرشاد اللاجئ العراقي صباح لمدة عامين. وقد كان صباح قد هرب مع أخيه الأكبر وعمته من العراق هرباً من تنظيم “الدولة الإسلامية” المعروف بداعش، وقضوا حوالي شهرين على طريق البلقان قبل أن يصلوا إلى كولونيا. تقول بيآتا: “استغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن يستطيع إخباري بقصته”.
متقاعد ألماني يرشد لاجئاً يافعاً | Credit: Ceno e.V
وترى بيآتا أن التعرف على صباح ومساعدته ليثبت قدميه في مجتمعه قد أثرى حياتها، إذ أنها كانت بعد تقاعدها عام 2014 تريد أن تقوم بنشاطات تطوّعية، ونصحها أحد الأصدقاء بالانضمام لمشروع “عرّابون للاجئين اليافعين”.
تقول بيآتا: “لقد غيّرت (هذه التجربة) حياتي في بعض النواحي”، وتضيف: “لم أكن لأعرف أزمة اللجوء من دون خوض هذه التجربة. لقد جعلتني أدرك مدى قساوة القوانين الألمانية بالنسبة للعوائل التي مزقتها الحروب”.
وقد تمكّن والدا صباح بعد طول انتظار من الاجتماع بابنهم في كولونيا، لكن شمل العائلة لم يلتئم بعد، حيث أن أخته التي تجاوز عمرها الـ18 عاماً في فترة الانتظار، لم يُسمح لها بالمجيء إلى ألمانيا.
كان صباح وبيآتا يجتمعان كل يوم خميس لمدة عامين. وخلال الأشهر الست الأولى، كانت تأخذه بعد المدرسة إلى المكتبة لقراءة الكتب. تقول بيآتا: “بعد فترة، سألته عما إذا كان هناك أيّ شيء يودّ أن يتعلمه على وجه الخصوص، فأجابني بأنه يريد تعلّم السباحة!”
عندها علّمته السباحة. تقول بيآتا: “كان من المهم بالنسبة له أن يتمكن من تعلم السباحة، دون ضغوط من وجوده في دورة تدريبية”. وقد حصل صباح على الميدالية البرونزية للسباحة في يناير/كانون الثاني عام 2017. تقول بيآتا: “لقد كان ذلك إنجازًا كبيرًا بالنسبة له. لقد كان فخوراً للغاية”.
وبعد تعلم السباحة، أمضى الاثنان الوقت في الذهاب إلى المتاحف، أو يأتي صباح إلى منزلها، إذ كانت تساعده في واجباته المدرسية، بالإضافة إلى حضور الاجتماعات المدرسية من أجله. وقد ساعدته في العثور على عمل أيضاً.
تقول بيآتا: “أعتقد أن أسرته شعرت بالارتياح الشديد لأنني ساعدته بهذه الطريقة”، وتضيف: “أرى أن واجبي كمرشدة ليس فقط المساعدة في تعلم اللغة الألمانية، وإنما مساعدة اللاجئ في إيجاد صلة بالثقافة الألمانية.”
sawtlmohajir.com